Friday, 29 August 2014

المادة العاقلة


بسم الله والحمد لله

هل المادة عاقلة أم لا ؟
العالم المادي تسوده الحتمية، وهذا أحد مسلمات الفيزياء الكلاسيكية، فإذا أضفنا حامض إلى قاعدي فإن النتيجة ملح وماء، ولو كررنا التجربة مليار مرة فلن تتغير النتيجة .
لكن الوعي والعقل وتحليل المعلومة واتخاذ قرار هذه أمور لا علاقة للعالم المادي بها، لأن الوعي قد يسير عكس حتمية مادية، فإذا كان الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح حتمية مادية على مستوى البيولوجي فإن الإنسان قد يختار عكس ذلك ويضحي العشرات بحياتهم من أجل إنقاذ فتاة من الاغتصاب هنا تكون إرادة الوعي منفصلة وبائنة عن الحتميات المادية، بل وعكس الحتمية المادية.

وإذا ارتكب إنسانٌ جريمة وأصَرَّ على أنه فعلها بدون قصد .. هنا يسعى كل محامي لإثبات عدم القصد مع أنه بالمنظور المادي الجريمة وقعت وانتهت على أرض الواقع، والمجرم أيضًا معترف أنه ارتكبها، لكن يتدخل القانون لمعرفة القصد والنية ومعرفة حالة النفس أثناء ارتكاب الجريمة هل بقصد ام لا، وهنا نضع النفس في مركز أعلى من الحقائق أعلى من الواقعة المادية المجردة ، فنحن في الحقيقة لا نحكم على ما حدث في العالم لكن نحكم على ما حدث داخل النفس.
وهنا يأتي الانفصال الأولي والمبدئي بين العالم المادي وبين الوعي والعقل.

لكن هل يمكن أن تتطور المادة إلى وعي؟
هذا مستحيل لأن العالم المادي كما قلنا تحكمه حتميات... ومليون صفر إذا أضفناهم سويًا فلن يتجاوزوا حاجز الصفر.
أيضًا تطور المادة إلى عقل أو وعي هذا يخالف قانون الديناميكا الحرارية الثاني، فهذا القانون يقول إن المادة تتجه نحو البرودة نحو الموت الحراري، وأن المادة من المجرة إلى الذرة ينطبق عليها هذا القانون، وهو قانون وليس نظرية، ويقول القانون إننا مثلاً لو وضعنا كوب ماء ساخن في غرفة باردة فإن الحرارة تنتقل من الكوب إلى الغرفة، وأن الكون كله يتجه هذا الاتجاه؛ فالكون يتجه طبقًا لهذا القانون إلى التبسيط إلى البرودة إلى التفكك إلى الموت الحراري، وبالتالي فتطور المادة إلى وعي وعقل هذا يخالف قانون كوني .

يقول أرسطو إن مَن ينكر الميتافيزيقيا يتفلسف ميتافيزيقيًا .. فمِن أين للماديين باحتواء المادة على عقل؟ هذه أطروحات فلسفية وليست أطروحات علمية يُمكن إثباتها أو نفيها مُختبريـًا ..!!

ولو كان الوعي والعقل من صور المادة فهذا يعني أن الوعي متساوٍ عند البشر جميعا؛ لأن أي صورة من صورة المادة لها قياسات محددة وثابتة، وبما أن الوعي مختلف عند البشر إذن هو ليس ماديـًا .
وقد أثبت العلم مؤخرًا أن الوعي والعقل كلاهما لا مادي، وهذه حقيقة علمية محسومة فالوعي ليس موجات .. ليس فوتونات .. ليست جسيمات يمكن أن تصدر عن المادة .

وقد أثبت د. روجر سبيري Roger Sperry الحائز على نوبل في وظائف المخ أن الوظائف العقلية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمخ المادي وهي فقط قد تستعمله كآلة .
يقول السير جون إكلز John C. Eccles الحاصل على نوبل في الطب" أجدني مضطرًا إلى القول بطبيعة غير مادية لذاتي وعقلي، طبيعة تتفق مع ما يسمونه الروح."
وقد وضع جون إكلز مع فيلسوف العلوم الأشهر كارل بوبر Karl Popper ، كتاب يشي عنوانه بأبعاد القضية وعنوان الكتاب" الذات والمخ التابع لها The Self and its Brain ".

ويعترف روبرت كون Robert L.Kuhn الحاصل على الدكتوراة في بحوث المخ ، أن هناك جوهر غير مادي يتحد بالمخ ليفرز العقل، ولا مفر من اعتباره الروح التي يتحدث عنها المتدينون .

ويعترف ليونارد ملدينوف Leonard Mlodinow الفيزيائي الشهير والمشارك co-author في كتاب التصميم العظيم مع ستيفن هاوكنج 2010 أن الوعي والعقل غير ماديين .

وهذه الاعترافات هي من واقع علمي مجرد فقد تبين أنه لا يمكن أن يبلغ الكمبيوتر مهما اشتد تعقيده أبسط درجات الوعي لأن نسبة وعي أذكي الكمبيوترات على الإطلاق تساوي صفر، I.Q.=ZERO .
ومع ذلك المطلوب أن نُصدق أن العشوائية أنشأت الأميبا والإنسان، والذكاء الإنساني لم يستطع أن يُنشيء أبسط صور الوعي، إنها أضيق حدود السذاجة إن استطعت ابتلاعها ابتلعت بعد ذلك أي شيء.
إنه السؤال المفصلي والجوهري، بين الدين المنطقي والإلحاد العبثي 

0 comments :

Post a Comment