Wednesday 30 July 2014

الأخلاق مبهاة أصحاب الأديان


الأخلاق مبهاة أصحاب الأديان والحجة الأولى والأكبر لأهل الإيمان، والتي يحق لنا أن نحتج بها كل يوم على بني لحدان .
في البداية الأخلاق نوعان؛
أخلاق مصلحية منفعية أنانية مادية، وهي تسمى أخلاق المجتمع – أُعاملك بأدب كي تعاملني بأدب – وهذه تسمى أخلاق النفاق وهذه ليست الأخلاق الأصيلة التي يؤسس لها الأخلاقيون – أنبياء ومصلحين -، عبر كل العصور والأزمان . 

وهناك النوع الثاني من الأخلاق وهذه تسمى الأخلاق الأصيلة، وهي الأصل والأساس وهي تأتي ضد المصلحة الشخصية .. أخلاق غير مربحة عمليًا ... ضد المادة .. ضد العقل .. لم يتم الرهنة عليها عمليًا أو عقليًا إلى يومنا هذا، مثل أخلاق الزهد والتبتل والتضحية، والعمل الأخلاقي غير المقترن بفائدة مادية أو رياء أو منفعة شخصية . 
هذا النوع الثاني من الأخلاق لا وجود له في العالم الإلحادي، بل إن وجوده أو الاعتراف بوجوده هو أكبر ضربة يمكن توجيهها للفكر الإلحادي على الإطلاق، يقول [نيشه] في كتابه هكذا تكلم زرادشت :- " اقهر الضعفـاء ، اصعد فوق جثثهم .. هكذا تكون ابن الطبيعة "، فالإنسـان من منظور مادي أرضي هو كائن عضوي ذو ثلاثة أبعاد، حدود الطبيعة هي حدوده، يسري عليه ما يسري على الظواهر الطبيعية، فهو شيء بين الأشياء يمكن دراسته في إطار دوافعه الاقتصادية والمادية فحسب، وبالتالي فإن أي حديث عن الأخلاق من النوع الثاني هو ضرب من القول بالميتافيزيقيا، وإدخال عناصر غير مادية على النموذج الإلحادي المادي المُجرد.

فالأخلاق تمثل ثغرة في النظـام الطبيعي ، تمثل تمردًا على قوانين المادة ..، وعندما دخل الإنسان الأول إلى التاريخ برأس مال أخلاقي مبدئي هائل كان في هذه اللحظة يؤكد على أصالة ظهوره و تمرده على الطبيعة التي نشأ منها، وصار هو المركز والطبيعة هي الهامش، وصار سموه وترفعه وحريته قيمًا دينية مجرده لا يمكن بحال ردها إلى النظام المادي المجرد .
فالأخلاق ثغرة معرفية كبرى في النسق الكوني؛ ولذا لا يمكن إخضاعها لقوانين الطبيعة وحتميات ماركس التاريخية ، أو حتميات داروين العضوية، أو حتميات دوركايم الإجتماعية . هذا الاختلاف بين الأخلاق والطبيعة يُعبِّر عن نفسه في الاختلاف بين المؤشِّر في العلوم الطبيعية والمؤشِّر في العلوم الإنسانية.
يقول عالم الأحياء [باجمهيلز] في بحث متخصص عن السلوك الجنسي لدى البشر عبر التاريخ: " على العالم الغربي أن يتعلم كثيرًا من أخلاق البدائيين ومبادئهم، في العلاقات الجنسية حتى يتسنى له الرقي الأخلاقي الحقيقي"
Bagemihl, p. 5.

والأخلاق عقليًا غير مربحة بل ضارة بل هي أكبر عبء على صاحبها، وقد تساءل [ماندفيل] Bernard mandeville أستاذ علم الأخلاق الإنجليزي: ما أهمية الأخلاق لتقدم المجتمع والتطور الحضاري ؟ وأجاب ببساطة : لا شيء بل لعلها تكون ضارة .
ولذا فالأخلاق لم تتم البرهنة عليها عقليًا إلى الآن ، والأخلاق والدين هما أقدم الأفكار الإنسانية ترًا ، وقد ظهرا سويًا مع الإنسان، كل هذا يؤكد أصالة الظهور الإنساني وغائية الأخلاق التي يحملها.
والإله هو الشرط الوحيد لسمو الإنسان وحريته وأخلاقه ومبادئه وقيمه، فالأخلاق الأصيلة تستمد قيمتها من عالم آخر؛ عالم لا علاقة له إطلاقا بعالمنا المادي المجرد، وبدون هذا العالم الآخر تتحول الأخلاق إلى مجرد لغو فارغ، ووهم يستحيل أصلاً التنبؤ بوجوده لعدم وجوده! فما بالنا وهو موجود بل وحتى أعتى الملحدين يدعي أنه على أخلاق، وهو بذلك ودون أن يدري يُسقط المنظومة الإلحادية بأكملها .

0 comments :

Post a Comment